تتمة القصة 15: المخادع


المخادع

المخادع

الجزء الثاني:

في مقابل الوضع الذي وجد فيه الشرطي سجل المحققون إصرار الرجل ذي اللحية السوداء على أقواله إذ ما إنفك يؤكد أنه بريء مما يقوله الشرطي وأنه يطالب بإجراء بحث حول النازلة. كان العميد عبد الله البشيري في مواجهة قضية شائكة،وكان عليه أن يجري تحريات دقيقة قبل كل إستنتاج أو خلاصة، أمضى الرجل المصاب سبعة أيام في المستشفى، وقد أوكل العميد إلى إثنين من المفتشين مهمة مراقبة غرفته والإبلاغ عن كل ما يثير الشك، لاحظ المفتشان أن لا أحد حضر لعيادة الرجل ذو اللحية السوداء، إلا أن أحدهما أفاد بأنه لاحظ شخصا كان يهم بدخول الغرفة حيث يوجد الرجل لكنه عندما لاحظ وجود رجل الأمن داب في جموع الزوار وإختفى، ومع أنه تعذر التحقق من هوية ذلك الشخص فإن المعلومة جعلت الشك في إستقامة الرجل ذو اللحية السوداء يتسرب الى دوائر التحقيق، صار لزاما على المحققين أن يعمقوا أكثر تحرياتهم حول نشاط الرجل ودكانه في حي الملاح.

مرة أخرى أكد مؤذن المسجد وإمامه للمحققين أن الرجل مواظب على صلاة الصبح في المسجد مع ملاحظة ذات أهمية خاصة، فصاحبنا لا يدخل المسجد إلا في صلاة الصبح بالرغم من أنه لا يبعد عن دكانه سوى بخطوات، سأل المحققون جيرانه فأثنوا عليه خيرا، بائع خضر أكد بدوره أن الرجل ملتزم بعمله وأنه لا يضيع وقته في ما لا يفيد والدليل يقول بائع الخضر أنه في المساء بعد أن يفرغ من بيع الخضر يتحول إلى بائع للأشياء المستعملة في مدخل حي الملاح، معلومة أخرى تثير الفضول.

 تبين للمحققين أن صاحبنا في وثائقه الرسمية يجعل من الدكان عنوان عمله وإقامته في آن واحد، ولكن الحارس الليلي أكد أنه لا يبيت في هذا المحل بل إنه يغادر الملاح بعد أن ينفض السوق الليلي، قرر العميد البشيري وضع ذو اللحية السوداء تحت المراقبة بعد أن يغادر المستشفى، أفاد المكلفون بالمراقبة بأن الرجل غادر المستشفى كان به عرج سببته له الإصابة بالطلقة النارية وكان يستعين بعكاز، لقد توجه رأسا من المستشفى إلى دكانه في حي الملاح، إستاجر أحدهم لتنظيف المحل وجمع الخضر التي لم تعد صالحة، من بعيد لاحظ المكلفون بالمراقبة ألا وجود لأدوات الطبخ أو السرير في الدكان لقد تأكد ما قاله الحارس الليلي من أن صاحبنا لا يبيت في الدكان.

طيلة اليوم لم يقم بأداء أي من الصلوات رغم سماعه الأذان، في التاسعة مساء خلا الملاح من المارة خرج الرجل من دكانه وتوجه نحو شارع القناصل ثم سلك إلى درب الحوت ودخل منزلا بجوار الحمام، في التاسعة والنصف مساءً توصل العميد عبد الله البشيري بتلك المعلومات كان الرجل محل شبهة، فمنذ دخوله المستشفى لم تسجل حالة سرقة واحدة في شارع تمارة،  بدا شبه مؤكد أن ذا اللحية السوداء كان الفاعل، ومع أن المدير العام للأمن الوطني أمر بمباغتة الظنين فور التأكد من وجوده في محل سكناه فإن العميد البشيري وتفاديا لكل خطأ قانوني قد يتيح للضنين الإفلات من العقاب قرر إرجاء تفتيش البيت إلى الصبح، رابط رجال الأمن ما بقي من الليل حول المكان، إنتضروا خروج الرجل لأداء صلاة الصبح في المسجد.

كانت الساعة الخامسة لما رفع الأذان لا أثر للرجل، بعد نحو ساعة تقدم العميد ومعه عدد من أفراد فريقه نحو باب المنزل، طرق الباب طرقا خفيفا، بعد لحظات فتح الباب حاول دون جدوى منع رجال الأمن من الدخول، كانت السلطات القضائية على علم بتلك العملية، لما دخل رجال الأمن المنزل ذهلوا لما إكتشفوه، كان البيت يشبه مخزنا حقيقيا للسلع المختلفة، وعند التدقيق فيما تحتويه مغارة علي بابا إتضح أن في جملتها أشياء كثيرة كانت مصالح الأمن قد تلقت شكايات بشأن تعرضها للسرقة، ذو اللحية السوداء في وضع يحول بينه وإنكار ما هو منسوب إليه ولذلك رأيناه يختصر المسافة وينتقل إلى الإعتراف. 

أقر الضنين أنه من نفذ كل عمليات السرقة بالكسر في شارع تماره، قال أنه و للتمويه وإبعاد كل شبهة حوله أوهم جيرانه في حي الملاح حيث يوجد دكانه بأنه تقي ورع يواظب على صلاة الصبح في المسجد، كان بذلك قد أعدهم ليكونوا شهودا، رأينا كيف أنهم أثنوا على الرجل في بداية التحريات، قال إنه كان يستعمل عربة يتولى دفعها بعد أن يكون حملها كلما حصل عليه بواسطة السرقة ثم يواصل إلى سوق الجملة يضع الخضر فوق المسروقات ثم يقفل عائدا إلى الدكان، في النهار يبيع الخضر وحين يأتي المساء يبيع ما سرقه في سوق الليل بالملاح.

تنفس العميد عبد الله البشيري الصعضاء فقد جاءت إعترافات المخادع ذو اللحية السوداء لتؤكد صدق حدس ذلك الشرطي الشاب القادم من طنجة لتبعد عنه شبهة إستعمال السلاح خارج نطاق الضوابط القانونية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة 19: المحلل يمتنع عن التطليق

القصة 11: ذات الرداء الأبيض

تتمة القصة 10: العم جوزيف النبال