القصة 19: المحلل يمتنع عن التطليق
القصص التي نقدم لكم هي من صلب الواقع تعمدنا تغيير أسماء الأشخاص و أحيانا الأماكن وإذا ما وقع تشابه أو تطابق في الأسماء أو الوقائع فإنه من باب الصدفة ليس إلا.
المحلل يمتنع عن التطليق
الجزء الأول:
في المجتمعات الإسلامية كثيرا ما يقع الأزواج في ورطة الطلاق الثالث، ففي الشريعة الإسلامية الطلاق مرتان، وبعد الطلاق الثالث لايستطيع الزوج إستعادة مطلقته حتى تنكح زوجا غيره، زواجا عاديا طبيعيا ويطلقها زوجها الجديد بشكل طبيعي، لا إفتعال فيه ولا إكراه. وكثيرة هي الحالات التي يعمد فيها الزوج إلى التحايل على مقتضيات وأحكام الشريعة متغافلا ما يترتب عن ذلك من الناحية الدينية. ليس موضوعنا البحث في ما يترتب شرعا على من يلجأ إلى خدمات الزوج المحلل، ولكن ما يستوقفنا في قصتنا اليوم هو جانب الجريمة التي نشأت في ظل اللجوء إلى خدمات الزوج المحلل.
نحن في الدار البيضاء أواخر العقد الأخير من القرن الماضي، صالح المشروط تاجر معروف في أوساط بائعي حديد الخردة الموجه لإعادة الإستعمال، يملك صالح عدة مستودعات وأسطولا من الشاحنات يجلب عليها حديد الخرذة من مختلف المدن المغربية، كانت تجارته منتعشة، كما أنه إشتهر بإقامة الليالي الحمراء والسهرات الماجنة، كثيرات هن الحسناوات اللواتي إتخذهن خليلات، ولكن علاقته بالواحدة منهن لا تعمر أكثر من بضعة أشهر في أحسن الحالات.
عدد من النساء اللواتي تعرف عليهن صالح المشروط رفضن الإستسلام له إلا بشرط أن يعقد عليهن ويتزوجهن، لم يكن يتردد ولكنه يضمر في كل مرة نية تطليق الواحدة منهن بعد أن يقضي وطره منها. في هذا المسلسل الماجن سقط صالح في شرك الوله بزكية التواب، كانت فتاة جميلة تزوجها كما تزوج كثيرات غيرها من قبل، عقد عليها وهو يضمر نية تطليقها بعد حين كما طلق كثيرات قبلها، لعله لم يكن قد وعى بحقيقة الغرام الذي وقع فيه.
ذات مرة رآها وهي تتحدث إلى أحد العاملين في مكتبه، في قرارة نفسه رآى الفرصة مناسبة لتطليقها، إتهمها بالخيانة الزوجية، ودون أن يستند إلى حجة أو دليل قال لها: أنت طالق، كانت المرة الأولى التي طلقها ولكنه ما لبث أن ندم على ما صدر منه، تراجع ولكنه طلقها مرة ثانية في ظروف مختلفة، ثم تراجع. قضى صالح مع زوجته زكية أيام سعيدة، لقد بدأت تترسخ في ذهن الرجل فكرة الإستقرار وإن كان ولعه بالليالي الحمراء والحسناوات لم يخفت.
قضت ظروف عمله أن يتغيب عن البيت لفترة، سافر إلى الخارج بعد أن وفر لزوجته زكية كل ما يغنيها عن مغادرة البيت، إلتزمت الزوجة، لم تبرح مسكنها خلال تلك الفترة كلها، في ال15 من غشت من العام 1998 تعرض زوج شقيقتها لحادثة سير خطيرة نقل إترها إلى المستشفى، إضطرت زكية إلى مغادرة بيتها وقصدت بيت شقيقتها لتآزرها في تلك اللحظات العصيبة التي تجتازها، كان غياب صالح قد طال، فاق الشهرين، من سوء حظ زكية أن زوجها عاد من سفره في الوقت الذي كانت فيه خارج البيت.
سأل صالح الجيران قالوا إنها خرجت كدأبها في أبهى حلة، لم تكن زكية تتحدث إلى جاراتها، كانت تخشى بطش زوجها، وكان هو يعلم أنها لا تتحدث إليهن ومع ذلك ما إن قيل له أنها خرجت في أبهى حلة حتى أعلن أنه مطلقها، كان الطلاق الثالث، لم يكلف نفسه عناء السؤال عما أخرجها من البيت. عادت زكية بعد حين فوجدت زوجها قد عاد من سفره، كان الحزن يعلوا محياها، لم تكن في أبهى حلة كما قيل. الحادثة التي تعرض لها زوج شقيقتها جعلت حياته في مهب الريح، كانت حزينة لما قد تؤول إليه أسرة شقيقتها، ما أن دخلت حتى أعلن صالح أنه طلقها، ردت أنها كانت في بيت شقيقتها وأخبرته بالحادثة التي تعرض لها زوج شقيقتها، ولما هدأ وعاد إلى صوابه توجه إلى المستشفى حيث تأكد صدق ما قالته مطلقته، ندم على ما صدر منه، سار الندم يمخر أحشاءه لقد طلق زكية طلاقا ثالثا وهي لن تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، يال هول ماوقع فيه صالح المشروط، ذهبت زكية إلى بيت أسرتها.
توسل صالح بالفقهاء والعلماء وكل العارفين بأحكام الدين، لا حل أمامه هي لن تحل له قبل أن تنكح زوجا غيره، يقتضي الأمر أن يكون الزواج شرعيا وأن يكون الطلاق الذي ستحل له بعده طلاقا عاديا غير مفتعل، لما يئس صالح جاءه أحدهم ممن يشاركونه لياليه الماجنة وإقترح عليه التحايل على الدين، عرض عليه البحث عن زوج تحت الطلب، عن شخص يعقد على مطلقته زكية ثم يطلقها بعد بضعة أيام مقابل بعض المال، إستحسن صالح الفكرة، ما يهمه هو أن يستعيد تلك التي فتنته حبا.
إقتُُرِح عليه شاب ليقوم بمهمة المحلل، أبلغ صالح أسرة مطلقته بذلك غير أن زكية إشترطت أن يتنازل لها على بعض من ممتلكاته لتؤمن بها مستقبلها، لم يرفض صالح أيا من الشروط. كان صديقه الذي إقترح الشاب ليقوم بدور المحلل قد أكد لصالح أن الرجل على إستعداد لتطليق زكية بعد يومين من إبرام عقد النكاح، كان المحلل المقترح شابا وسيما في ال25 من العمر عاطلا عن العمل، إنقطع عن الدراسة في المستوى الجامعي يعاني من خلل عقلي أورثته إياه المنشطات التي كان يفرط في تناولها لتعويض ضعف الذاكرة لديه، بين فينة وأخرى ينقلب سلوكه رأسا على عقب، يتحول من ذاك الشاب الوديع إلى شخص شرس في حالة هياج، كانت أسرته بعد سنوات من العلاج في مستشفى الأمراض العقلية قد يئست من شفائه ما شجع صديق صالح على إقتراح هذا الشاب ويدعى رضى الخلفاوي لدور المحلل تلك الثغرات التي تعتلي ذاكرته، كان الرهان على حالة النسيان التي تنتابه إذ إعتقد أنه سرعان ما سينسى عقده على زكية وسيسهل تطليقها منه، كذلك كانت حسابات صديق صالح.
تم إعداد الوثائق الإدارية لعقد الزواج، وجيء بزكية ورضى الخلفاوي إلى مكتب عدلين وثقى الزواج، وقع رضى في السجل كما وقعت زكية وسارا زوجين، كان صالح وصديقه واثقين من أن الأمور تحت السيطرة، حاولى صرف الشاب ولكنه إمتنع عن الإنصراف وبدأ يطالب بإصطحاب زوجته زكية، ولما بدى أن الشاب مصر على إصطحاب زوجته أخرج صالح هاتفه النقال وطلب رجال أشداء من رجاله حضروا بعد وقت وجيز إلى المكان، أُمروا بنقل رضى إلى ضيعة لصالح في أطراف المدينة.
لم يكن العدلان اللذان وثقى الزواج على إضطلاع على اللعبة، ولما أيقن صالح وصديقه أنهما وقعا في ورطة لم تكن في الحسبان تفتق إجتهاد الصديق عن فكرة، إقترح على العدلين...
يتبع
تعليقات
إرسال تعليق