تتمة القصة 10: العم جوزيف النبال
العم جوزيف النبال
الجزء الثاني :
في ضاحية باريس كان معروفا بإسم جوزيف، ولذلك تبنى هذا الإسم في جواز سفره الفرنسي، بعد أن حصل على التقاعد وكان وقتها في نونتير سار وحيدا، ألقت به الأيام في متاهات إدمان الخمر والتشرد. مرة قالوا له إن إبن أخ له يبحث عنه كان ذلك في العام 1999 لم يولي الأمر أهمية كبرى فقد طوى النسيان صلته بالمغرب، ومع ذلك سعى إلى اللقاء بإبن أخيه، أو الذي يدعي أنه إبن أخيه.
ذات مساء قابل الشاب محمد النبال الذي أخبره بأنه إبن شقيقه عبد السلام بن محمد بن عبد القادر النبال الذي توفي منذ عشر سنين، كان في الحي الذي يتجول فيه جوزيف إمام مسجد يؤم المغاربة سعى جاهدا إلى إقناع جوزيف بالعودة إلى جادة الصواب والتخلي عن التعاطي للخمر، وبأن يفكر في زيارة بلده المغرب، في كل مرة كان جوزيف وقد تقدم به العمر يرد بأنه يريد أن ينهي حياته في فرنسا، ولكن إصرار إمام المسجد أقنعه بزيارة المغرب، إشترى تذكرة سفر على متن الطائرة، وكان إمام المسجد يعرف محمد النبال فإتصل به وطلب منه أن يستقبل عمه جوزيف في المطار.
في حكاية جوزيف في المغرب إستوقف عميد الشرطة إعتقاله في القنيطرة وإيداعه السجن ثلاثة أسابيع، هو يعلم أن ذاكرة السجون لا تنسى، الأرشيف يذكر كل من نسي أو حاول النسيان. أثبتت الوثائق التي حصل عليها عميد الشرطة ببرشيد من مفوضية الشرطة بالقنيطرة ومن السجن المدني بها أن جوزيف النبال هو نفسه يوسف بن محمد بن عبد القادر النبال، ثبتت هوية الشيخ النحيف. بقي الآن كشف السر الكامن وراء إحتجاز محمد النبال لجوزيف أو يوسف في تلك المزرعة بأطراف برشيد، وإنكار معرفته به.
في سياق البحث حول خبايا هذا الملف تم إيفاد المحققين إلى المحمدية للتحري حول نشاط محمد النبال، توصل المحققون إلى أنه وحتى العام 1999 كان موظفا بسيطا في مصلحة المحافظة العقارية وفجأة قدم إستقالته وسار رجل أعمال يركب السيارات الفارهة ويتولى تشييد مركب سياحي على الساحل غير بعيد عن المحمدية. إتضح للمحققين أن الأرض التي يشيد عليها المركب السياحي ومساحتها ثلاثة هكتارات كانت وحتى العام 2000 مسجلة في المحافظة العقارية في إسم يوسف بن محمد بن عبد القادر النبال وأن ملكيتها إنتقلت إلى محمد النبال بمقتضى وثيقة عدلية تفيد بوفاة مالك الأرض وبأن محمد النبال هو وريثه الشرعي الوحيد.
حين إكتشف الأمر كانت القطعة الأرضية الثمينة قيد الرهن العقاري لفائدة مؤسسة مصرفية لقاء تمويل أشغال بناء المركب الساحي، لما سأل عميد الشرطة جوزيف النبال(يوسف النبال) عن أمر تلك القطعة قال إنه لم يكن يعلم بمكانها، وإنه حين كان جنديا في الجيش الفرنسي في الهند الصينية كان يبعث بمبالغ مالية محترمة إلى شقيقه عبد السلام الذي كان يتولى شؤون العائلة، والذي كان قد أخبره بأنه إقتنى له قطعة أرضية، غير أنه وبسبب الحوادث التي تعاقبت عليه نسيها ولم يولها كبير إهتمام.
إستدعي محمد النبال إلى مفوضية الشرطة، كانت الوسائل متوفرة هذه المرة لمواجهته، فاجأه العميد بأن الشيخ الذي أنكر معرفته به هو عمه يوسف، حاول الشاب محمد أن يقنع المحققين بأن عمه تغيب عن المغرب منذ أكثر من عشرين عاما وحكمه الآن حكم الميت. سئل محمد النبال عن القطعة الأرضية التي يشيد عليها المركب السياحي. قال إن والده هو من إشتراها ولم يسجلها في إسم شقيقه يوسف إلا لكونه وقتها جنديا يتمتع بحصانة ما، كان هامش المراوغة ضيقا أمام محمد النبال. لاحقه المحققون بأسئلة محرجة وفجأة إنهار، ونحى منحى الإعتراف.
إعترف بأنه إحتجز عمه في تلك المزرعة بأطراف برشيد ليبقيه بعيدا إلى أن يتم إجراء ات بيع المركب السياحي لمستثمر أجنبي، حاول الإقناع بأنه لم يرد بعمه سوء ا وإنه أمر بإطعامه. تم المحضر وأحيل طرفى القضية على وكل جلالة الملك. أحدث الشيخ النحيف المفاجأة حين مثلى أمام وكيل الملك، أعلن يوسف النبال أنه يتنازل عن الشكوى التي تقدم بها ضد إبن أخيه، قال يوسف إن ما فعله بي إبن أخي رغم قسوته مكنني من التخلص من الإدمان على الخمر وأعادني إلى جادة الصواب، كما أن حسن المعاملة التي حظيت بها من العميد جعلتني أستعيد صلتي ببلدي إذا ما قبل محمد بأن يأويني ويلتزم بحسن معاملتي ويعينني على أن أنهي حياتي في رضى الله فإنني أتنازل له عن كل شيء. كان الحاضرون في مكتب وكيل الملك يستمعون بإمعان إلى ما يقوله الشيخ، لم يتمالك محمد نفسه فإرتمى على قدمي عمه يوسف يقبلهما ويطلب الصفح.

تعليقات
إرسال تعليق