القصة 15: المخادع


المخادع

القصص التي نقدم لكم هي من صلب الواقع تعمدنا تغيير أسماء الأشخاص و أحيانا الأماكن وإذا ما وقع تشابه أو تطابق في الأسماء أو الوقائع فإنه من باب الصدفة ليس إلا.

المخادع :

الجزء الأول :

أحيانا تعود بنا الذاكرة إلى مراحل قد تكون بعيدة إلى حد ما، هي زيارة إلى الماضي قرب أم بعد نستحضر قصصا إحتفظت بها الذاكرة والملفات، كثيرة هي تلك القصص التي دارت وقائعها قبل عقود والتي من حين إلى آخر نراها تتكرر وفق السيناريوهات نفسها تقريبا.

في مستهل سبعينيات القرن الماضي شهد شارع تمارة بالرباط وعلى مدى أيام متتالية سلسلة من السرقات بواسطة الكسر، كان ما حدث مثيرا للقلق ولذلك إرتأت الإدارة العامة للأمن الوطني إحداث فرقة ليلية للمراقبة والحراسة، مهمتها ترصد من يقوم أو من يقومون بأعمال السرقة التي خلقت حالة من الخوف بين السكان وأضحت مصدر قلق للسلطات.

ذات صباح تم إبلاغ مصلحة المداومة بأن أحدهم كان في موقف مثير للشك في شارع تمارة، وعندما طلب منه الشرطي  التوقف للتحقق من هويته ومعرفة سبب وجوده في المكان رفض التوقف وعدى هاربا، تقول المعلومات التي توصلت بها مصلحة المداومة أن الشرطي لما رأى الرجل وهو يهرب لجأ إلى إستعمال مسدسه، وأطلق على الهارب رصاصة أصابته في ساقه وتم القبض عليه، بعد ذلك تم نقله الى المستشفى.

كان العميد عبد الله البشيري مكلفا بالمداومة يومها، إلتحق على الفور بالمستشفى لإستجواب الرجل، كان الطبيب قد أمر بالإبقاء عليه رهن المراقبة الطبية لبضعة أيام، ما فاجأ العميد البشيري أن الرجل لم يكن شابا متهورا كان كهلا ذا لحية سوداء، لا تثير ملامحه أي شك، كان في العقد الخامس من العمر، قال أنه يبيع الخضر وأنه يملك دكان في حي الملاح، قال أيضا أنه تعود على الذهاب إلى سوق الجملة بعد أن يصلي الصبح مع الجماعة في المسجد، كان الرجل يلح على أنه يصلي الصبح في المسجد كل صباح قبل أن يذهب الى سوق الجملة.

وقد إستوقف العميد عبد الله البشيري تشديد الرجل ذي اللحية السوداء على أنه بإمكان مصالح الأمن أن تتحقق مما يقوله بسؤال مؤذن وإمام المسجد القريب من دكانه في حي الملاح.

البحث الذي أجراه المحققون سجل أن كل الأشخاص الذين تم سؤالهم عن الرجل أثنوا عليه وعلى ورعه وإلتزامه بصلاة الصبح في المسجد كل يوم، كان الشرطي الذي أطلق النار على الرجل شابا من مدينة طنجة، هادئ الطبع و معروفا بدقة الملاحظة، أبلغ الشرطي العميد البشيري بأنه صبح اليوم الذي وقع فيه الحادث وبينما كان ممتطيا دراجته في مهمة حراسة ومراقبة شارع تمارة باغت الرجل وهو يحاول تسلق سور أحد المنازل، لما رأى الرجل الشرطي إختبأ خلف السور، قال الشرطي بأنه تظاهر بأنه لم يره وليومهمه بأنه واصل السير، أوقف دراجته في المنعطف وواصل تحريك الدواسة محدثا صوتا يوحي بأن الدراجة مضت إلى حال سبيلها، بدا للرجل المختبئ وراء السور أن الشرطي قد إبتعد خرج من مخبئه ولكن الشرطي كان هناك، فاجأه وأمره بالتوقف لكنه إمتنع وحاول الهروب، في تلك اللحظة أطلق الشرطي النار.

كان الشرطي يؤكد بأن الرجل ذا اللحية السوداء هذا الكهل الذي لا يثير مظهره أدنى شك قد يكون السارق الذي روع سكان شارع تمارة وأقلق السلطات بإقتحامه البيوت بواسطة الكسر،  يؤكد الشرطي أن ليلة القبض على الرجل لم تسجل أي سرقة عكس الليالي السابقة، كانت مصالح الأمن في حيرة، هل تصدق الشرطي الذي أطلق النار للقبض على الضنين، أم تصدق الرجل ذو اللحية السوداء الذي يزعم أن الشرطي أطلق عليه النار ظلما بينما هو ماض في طريقه إلى سوق الجملة بعد أن أدى صلاة الصبح في المسجد.على الرجل وقار يكاد يبعد عنه كل شبهة، ولكن سجل الشرطي الشاب لا يتضمن أي إشارة على أنه إرتكب خطأ مهنيا يوما ما،مع ذلك فإن الواقع الذي يتعامل معه المحققون الآن يتمثل في كون الشرطي إذا لم يقم الدليل على صحة ما يقول فإنه مهدد بالمتابعة لإطلاقه النار على مواطن والتسبب في إصابته بجروح دون أن يكون في حالة الدفاع المشروع عن النفس. 

في مقابل الوضع الذي وجد فيه الشرطي سجل المحققون إصرار الرجل ذي اللحية السوداء على أقواله إذ ما إنفك يؤكد أنه بريء مما يقوله الشرطي وأنه يطالب بإجراء بحث حول النازلة.

يتبع...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة 19: المحلل يمتنع عن التطليق

القصة 11: ذات الرداء الأبيض

تتمة القصة 10: العم جوزيف النبال