تتمة القصة 1 : عودة مهاجر
الجزء الثاني والأخير :
في 23 من مايو من العام 1998 سيحدث التحول الأكبر في حياة الشاب إدريس العلمي. مساء ذلك اليوم وبينما كان إدريس منهمكا في إعداد مائدة العشاء للزبناء جاءه أحد أعوان الفندق، هنالك زبون يرغب في الحصول على غرفة لبضع ليالي. أومأ برأسه ثم قصد إلى شباك الإستقبال، رحب بالزبون بكلمات تعود نطقها بتلقائية، وبعد أن قدم له كل المعلومات رافقه إلى غرفته، ثم عاد إلى مكتب الإستقبال لإدراج بيانات الزبون الجديد ضمن سجلات الفندق وملإ الإستمارات التي توجه إلى مفوضية الشرطة.كان الزبون فرنسي الجنسية، عربي المحيى والسحنة، تناول إدريس العلمي جواز سفره وكانت مفاجئته كبيرة، الرجل يسمى هو الآخر إدريس العلمي. أمعن الشاب إدريس النظر في جواز السفر إدريس العلمي يال الصدفة، حتى الطريقة التي يكتب بها الإسم تتطابق مع إسمه، كانت صورة صاحب الجواز وتاريخ ميلاده حدودا للفارق بين الرجلين.
صدفة كهذه تجعل الخيال يسرح بعيدا، الضروف الصعبة التي كان يعيشها إدريس العلمي مستخدم فندق برشيد وليس الزبون جعلته يمضي بخياله إلى أبعد مدى، همس لنفسه متسائلا لم لا أستحود على جواز السفر و أحلق بعيدا!! بدأت ترتسم في ذهن إدريس خطة الإستحواذ على جواز السفر، وحتى يضمن كسب الوقت كان عليه أن يبلغ إدريس العلمي الزبون بأن قانون الفندق يقضي بأن لا يرد إليه جواز سفره إلا لحظة مغادرته الفندق.
علم إدريس الطباخ و الفراش وموظف الإستقبال أن سمييه لن يغادر برشيد وفندق برشيد سوى بعد أسبوع، مدة بدت له كافية لتنفيذ خطته وإستبدال الصورة في جواز السفر. في تلك الليلة ما أن أنهى عمله حتى قصد إلى الدار البيضاء، إستقر رأييه على أن يتصل بصديق له كان يعمل في إحدى المطابع، توسل إليه أن يساعده على إستبدال الصورة التي في جواز السفر المسروق بصورته، لم يقبل الصديق في البداية ولكنه غير رأيه بعد أن وعده إدريس ب 3000 درهم يسلمها له مباشرة بعد إتمام المهمة.
صباح اليوم التالي ودرأ لكل شبهة عاد إدريس إلى عمله في الفندق، قضى يومه كما سالف الأيام. كان إدريس العلمي الزبون منهمكا في شؤونه، في المساء عاد صاحبنا مستخدم فندق برشيد إلى الدار البيضاء. كان صديقه قد نجح في إقتلاع الصورة من جواز السفر و إستبدالها بصورة صديقه إدريس العلمي، كانت مراحل الخطة تضغط عليه، لا مجال للإنتظار عليه الآن أن يمر إلى المرحلة الموالية.
في بيت الأسرة أبلغ إدريس والدته بأنه بصدد الإتفاق مع زبون من كندا للهجرة معه إلى هناك، ولذلك فإنه بحاجة إلى 20 000 درهم، أقنع الوالدة بأنها فرصته الأخيرة للإنفلات من الوضع البئيس الذي يتخبط فيه. لم تجب الأم، كان مبلغا يفوق طاقة الأسرة ولكنها في الصباح قصدت قريبا لها أقرضها المبلغ وقدمته إلى ولدها، إطمأن الأخير إلى أن كل شيء يسير وفق تصوره.
يمر الشريط في ذاكرة إدريس العلمي بسرعة، ولكن بكل التفاصيل وهو يقدم إعترافاته للشرطة القضائية في ولاية أمن الدار البيضاء.
عاد إلى الفندق في برشيد، إطمأن إلى أن الزبون مازال منهمكا في مهامه، وأنه لم يحضر لتناول وجبة الغداء. في تلك اللحظة إستأذن صاحب الفندق في الغياب لما تبقى من اليوم لقضاء أمر مستعجل بالدار البيضاء، كان له ما طلب.
وفي الدار البيضاء عجل بلم حقائبه، وكان قد تدبر من قبل حجز تذكرة سفر إلى باريس، ودع أمه وطلب منها ألا تخبر أباه إلا بعد أن يتصل بها من باريس.
في مطار الدار البيضاء تقدم الشاب إدريس العلمي إلى شباك التسجيل، دفع ثمن التدكرة المحجوزة بإسمه وكاد يفتضح أمره لفرط فرحته، لاحظت مضيفة أنه لا يحمل متاعا كثيرا، طلبت منه أن تضيف إلى متاعه حقيبة لشقيق لها كانت وجهته باريس، لقاء ذلك ساعدته على إتمام الإجراء ات.
في باريس إتصل بأصدقاء قدامى إصطحب معه عناوينهم وأرقام هواتفهم، وفي المطار حرص على شراء تدكرة إلى أوطاوا، كان موعد الرحلة بعد ثلاثة أيام.
في أوطاوا إستقر في فندق متواضع، برشيد بعيدة الآن، ولا مجال للعودة إلى الوراء. بعد ثلاثة أشهر تمكن من الحصول على عمل متواضع كانت مهمته غسل الأواني ومهام أخرى ثانوية في أحد المطاعم. ذات مرة إقترح على العمال أن يهيئ لهم الكسكس المغربي، كان الكسكس مدخله إلى الترقي في مهنته الجديدة، لقد صار الكسكس المغربي حاضرا ضمن قائمة الوجبات التي يقدمها المطعم.
في السنة الأولى من مقامه في كندا ولأنه أبان عن جد وكفاءة، قام صاحب المطعم بتسوية وضعيته القانونية، صار إدريس العلمي الآن مهاجرا شرعيا في كندا.
مرت السنوات والشاب إدريس العلمي يلاقي النجاح تلو النجاح، ولكن كل ذلك لم ينسه أسرته التي خلفها وراءه في الدار البيضاء. الحنين إلى الأم و الأب والإخوة كان وراء قرار جريء إتخده إدريس أن يعود إلى بلده مهما كلفه ذلك، كان يعلم أنه ربما إعتقل في المطار وكان يعلم أنه مبحوث عنه بتهمة سرقة جواز سفر المواطن الفرنسي إدريس العلمي ومع ذلك إمتطى الطائرة وعاد إلى المغرب.
بعد إتمام البحث و التحقيق وكان قد أتيح له أن يتصل بعائلته التي وكلت له محامي، تم تقديم إدريس العلمي إلى المحكمة التي قضت بحفظ القضية للتقادم.

تعليقات
إرسال تعليق