القصة 10: العم جوزيف النبال
القصص التي نقدم لكم هي من صلب الواقع تعمدنا تغيير أسماء الأشخاص و أحيانا الأماكن وإذا ما وقع تشابه أو تطابق في الأسماء أو الوقائع فإنه من باب الصدفة ليس إلا.
العم جوزيف النبال
الجزء الأول:
في الخامس والعشرين من أبريل من العام 2002 إستقبل عميد الشرطة بمفوضية برشيد رجلا مسنا كان في الخامسة والسبعين، وكان يحمل جواز سفر فرنسي، حسب ماهو مدون في جواز السفر الذي أدلى به فإن إسمه جوزيف النبال، وهو من مواليد المحمدية ويقطن بضاحية باريس. كان جوزيف النبال يبدوا متعبا، نحيفا، يتحرك بخطى متثاقلة، جاء إلى مفوضية الشرطة ببرشيد ليسجل شكاية، قال إنه عاد إلى المغرب في الثالث من فبراير من العام 2002 عبر مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، قال إن إبن أخيه ويدعى محمد النبال إستقبله بالمطار ولكنه بدلا من أن يصحبه إلى المحمدية فإنه قصد به مزرعة في أطراف مدينة برشيد، حيث أودعه غرفة لها باب حديدي، سجنه هناك نحو ثلاثة أشهر.
قال الشيخ وقد علت صوته نبرة حزينة إنه لم يتمكن من الخروج من تلك الغرفة سوى اليوم وبعد معاناة شديدة، قال إنه أتى إلى مفوضية الشرطة في برشيد راجلا. كان الشيخ يتحدث بفرنسية طليقة، بدى في الأمر سر كامن دفين، لم يستطع الشيخ أن يقود الشرطة إلى حيث كان معتقلا حسب زعمه، ومع ذلك تم إخبار النيابة العامة بالأمر.
وتأسيسا على المعلومات التي أدلى بها جوزيف النبال تم إحضار محمد النبال من المحمدية للإستماع إليه ومواجهته بمن يشتكيه، وما أن وقع نظر الشيخ عليه حتى بادره غاضبا : أتريد قت لي أيه العاق. أبدى محمد النبال إستغرابا وتعجبا مما يصدر عن الشيخ النحيف. سأله العميد : هل تعرف الرجل؟ أجاب الشاب محمد النبال بالنفي. قال العميد ماذا تعرف عن يوسف النبال؟ رد محمد بأنه عمه شقيق والده الذي توفي منذ زمن في فرنسا دون أن يخلف ولدا. قال العميد إن الرجل يدعي أنه عمك يوسف. قال محمد النبال إنه مجرد نصاب فعمي توفي منذ زمن.
رأى العميد مكرا ودهاء في نظرات محمد النبال الذي أراد أن يتحدى الشيخ النحيف، طلب منه أن يقدم ما يثبت صدق إدعائه، أخرج الشيخ من جيب معطفه جواز سفره الفرنسي، لما رأى محمد النبال جواز السفر قال إنها وثيقة بمقدور كثيرين تزييفها ثم في المغرب لا يطلق الناس على أولادهم إسم جوزيف. لم يستطع الشيخ أن يقنع بصدق مزاعمه، تم إبلاغ النيابة العامة بما خلصت إليه المواجهة فتقرر إخلاء سبيل محمد النبال على أن يمثل أمام عميد الشرطة كلما دعت الضرورة إلى ذلك. طلب العميد من الشيخ أن يترك عنوانا حيث يمكن الإتصال به عند الحاجة رد الشيخ بأن لا عنوان له غير عنوان إبن أخيه الذي أنكر كل صلة له به، كما أنه لايملك حتى ثمن تذكرة الركوب في حافلة، أشفق العميد عليه وعرض عليه التوسط لدى دار للعجزة لإيوائه لبضعة أيام، لكن الشيخ النحيف رفض ذلك وقال إنه يريد الإتصال بالقنصلية الفرنسية بإعتباره مواطنا فرنسيا، نزل العميد عند رغبته وإتصل بالقنصلية، في الجانب الآخر من الخط أبلغه محاوره أن مسؤولا من القنصلية سيأتي إلى مفوضية الشرطة.
بعد نصف ساعة كان العميد يستقبل القنصل الفرنسي شخصيا، أطلعه على مضمون القضية وبعد أن فحص جواز سفر جوزيف النبال أكد أنه جواز سفر فرنسي سليم وأن القنصلية على إسعداد لمؤازرة الشيخ والتكفل به. غادر القنصل مفوضية الشرطة وبرفقته جوزيف النبال. بعد 24 ساعة عاد القنصل إلى المفوضية وهو يحمل معلومات كافية حول الشيخ النحيف معلومات تؤكد أن جوزيف النبال ولد في العام 1925 بمدينة فضالة من والده محمد بن عبد القادر وأمه فاطمة بنت عمر، تفيد معلومات القنصلية الفرنسية بأن جوزيف النبال إنخرط في الجيش الفرنسي في العام 1945 وحارب في صفوفه في الهند الصينية وعاد إلى فرنسا وظل جنديا في صفوف الجيش الفرنسي إلى أن حصل المغرب على الإستقلال حيث تم إدماجه في الجيش المغربي. في العام 1960 غادر صفوف القوات المسلحة الملكية المغربية وعاد إلى فرنسا، في الحقيقة طرد من صفوف القوات المسلحة الملكية ذلك لأنه إعتقل في القنيطرة إتر مشادة مع جندي أمريكي ولم يكشف للسلطات إنتماءه إلى القوات المسلحة الملكية.
في ضاحية باريس كان معروفا بإسم جوزيف، ولذلك تبنى هذا الإسم في جواز سفره الفرنسي، بعد أن حصل على التقاعد وكان وقتها في نونتير سار وحيدا، ألقت به الأيام في متاهات إدمان الخمر والتشرد...

تعليقات
إرسال تعليق