تتمة القصة 14: وجها لوجه


وجها لوجه

وجها لوجه

الجزء الثاني :

     حتى منتصف الليل لم يحدث ما يعكر ذلك الهدوء، إستلقى الضابط على فراشه في مكتبه ولكنه ظل بلباسه وحذائه تحسبا لكل طارئ حرص على أن تبقى مستعدا لكل تدخل محتمل، في الواحدة صباحا توصل بخبر مفاده أن جماعة من الشبان هجمت على بيت إمرأة معروفة بكونها من بائعات الهوى وكانوا يحاولون إرغام كل البنات اللائي كن معها في المنزل على مرافقتهم. تذكر الضابط عمر حادثة مقهى المحطة حيث فقئت عينه اليسرى ولذلك أخد سلاحه وزوده بعدة رصاصات ثم أدخل رصاصة في مدفع مسدسه وشغل مفتاح الأمان كي لا تنطلق أي رصاصة دون أن يتحكم فيها.

     أمر بإرسال تعزيزات من رجال الهيئة الحضرية وهم رجال الشرطة ذووا الزي الرسمي، إتصل برئيسه المباشر ثم تحرك على متن سيارة الشرطة مسرعا نحو مكان الحادث، بعد دقائق كان هناك في مسرح الإعتداء. في المنزل المستهدف كان أفراد العصابة ثلاثة، حاول إقناعهم بالإستسلام ولكنهم أصروا على الرفض، بمكبر للصوت طلب منهم أن يستسلموا ولكنهم بدلا من ذلك صعدوا إلى سطح المنزل وحاولوا الهرب عبر أسطح المنازل المجاورة، تمكن أحدهم من إقتحام منزل كان بابه المفضي إلى السطح مفتوحا، أشهر الملاحق سكينا وهدد بدبح الساكن الوحيد في المنزل وكان رجلا مسنا.

     وفيما تمكن أفراد الشرطة من إلقاء القبض على إثنين من أفراد العصابة تم تصفيدهما، كان الضابط عمر بن عبد النبي في مواجهة مباشرة مع الجاني الثالث، لقد تخلى الآن عن رهينته، إبتعد عن الرجل المسن وحاول التقدم نحو الضابط كان السكين بيده، من حين لآخر يلوح بها بإتجاه الضابط ويدعوه إلى تمكينه من الفرار. أخرج الضابط عمر سلاحه للدفاع عن نفسه إن تمادى المجرم، حاول المجرم التقدم أكثر فأطلق الشرطي رصاصة في الهواء، إزداد المجرم هيجانا، إنه يحاول تصويب سكينه إلى صدر الضابط، لم يجد الضابط عمر بدا من إطلاق النار، ضغط على الزناد فإنطلقت الرصاصة الثانية، لم تكن رصاصة في الهواء هذه المرة، لقد أصابته في فخذه، تلتها طلقة أخرى إستقرت الرصاصة في ركبة الجاني ثم خر على الأرض.

     تقدم الضابط عمر بن عبد النبي بحذر إلى الجاني الذي لم يكن يستطيع الحراك، جرده من سكينه وقيده، في تلك اللحظة إلتحق به معاونوه، تأكد الضابط أن الذي كان يواجهه قبل قليل لم يكن سوى المدعوا سمير بن عبد السلام المجرم نفسه الذي فقأ عينه اليسرى في مقهى المسافرين، تلك حادثة لن ينساها الضابط عمر مابقي حيا في فجر ذاك اليوم أبصر للمرة الأخيرة بعينه اليسرى، بسبب هذه الخلفية وإن كان الأمر لايعني البتة تصفية حساب قديم بين الضابط والمجرم تم إبلاغ وكيل الملك بحيثيات الموضوع، وبهذا الجانب منه على وجه التحديد، وتفاديا لكل ماقد يسيء إلى سمعة الشرطة تقرر توجيه ملتمس بحث إلى قاضي التحقيق، كان الوضع يقتضي تخلي الشرطة القضائية عن التحقيق.

     قال الظنين للقاضي الذي إستمع إليه في المستشفى إن ضابط الشرطة إعتدى عليه وأطلق عليه الرصاص دون أن يكون في حالة دفاع شرعي عن النفس، إعتقد القاضي أن الشرطي إنما إفتعل التدخل للإنتقام من الظنين وتصفية حسابه معه. حين إستماعه للضابط سأله عن الظروف التي أصيب فيها في عينه اليسرى فحكى له وقائع مقهى المسافرين، لم يكن الضابط يستطيع إخفاء إنتشائه بما تمكن من إنجازه في تلك الليلة، شعور يتمازج فيه الإحساس بالنجاح في أداء الواجب وأيضا شعور بشوة الثأر.

     بعد أن إنتهى قاضي التحقيق من إستجوابه وقد أحس الضابط عمر بأنه مال إلى تصديق ما قاله المجرم وجنح إلى ترجيح فرضية الإنتقام إنصرف الضابط عمر، توجه إلى رئيسه المباشر وعبر عن إستيائه من موقف قاضي التحقيق، دافع مسؤولون أمنيون من مستويات رفيعة عن الضابط عمر بن عبد النبي، لم يكن هناك مجال للمقارنة بين الضابط والمجرم، المجرم فقأ عين الشرطي وكان الشرطي يقوم لحظتها بواجب حماية المواطنين، الشرطي أطلق النار على المجرم ولم يعلم إلا بعد ذلك بأنه كان وجها لوجه مع من فقأ عينه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة 19: المحلل يمتنع عن التطليق

القصة 11: ذات الرداء الأبيض

تتمة القصة 10: العم جوزيف النبال