القصة 8: قطط خنيفرة
القصص التي نقدم لكم هي من صلب الواقع تعمدنا تغيير أسماء الأشخاص و أحيانا الأماكن وإذا ما وقع تشابه أو تطابق في الأسماء أو الوقائع فإنه من باب الصدفة ليس إلا.
الجزء الأول :
ظهرت في سبعينيات القرن الماضي في المغرب مجموعات غنائية عديدة، كانت مرحلة جديدة في تاريخ الغناء، ومع تميز العديد من تلك الفرق بالتجديد مع إعتماد الثرات الفني الوطني أساسا ومنطلقا فإن فرقا كثيرة إختارت أن تقلد المجموعات الغربية من حيث الشكل، وغالبا ما كان من وراء تلك الفرق الغنائية يختارون أسماء توهم متلقيها بأن الأمر يتعلق بفرقة غنائية أمريكية أو إنجليزية، كانوا يتعمدون إضفاء لكنة إنجليزية أو أمريكية إمعانا في محاولة إبهار المتلقي.
في مدينة خنيفرة نشأ الشاب حميد الحمديري في أسرة ميسورة الحال، ترعرع طفلا مدللا وفر له أبواه من وسائل الترفيه ما جعله حين سار يافعا يميل إلى اللهو واللعب ويرغب عن الدراسة. كان يقضي معظم أوقاته في الإستماع إلى الموسيقى الغربية، ومع إهمال الدراسة راكم النتائج السلبية، كان مهددا بالفصل.
حميد الحمديري مع كل ذلك كان فتى متقد الذكاء، ولكنه لم يكن يسخر ما رزقه الله به من الفطنة في التعلم والتحصيل. سخر فطنته في التخطيط للوصول إلى سجلات أساتذته لتغيير النقط، داع سيطه بين زملائه كانوا جميعهم يعلمون أن حميد الحمديري لم يكن ينتقل من فصل إلى آخر إلا بتز وير النقط، وبما أن حبل الكذب قصير فإن صاحبنا لما بلغ القسم الرابع من التعليم الثانوي وكان عمره عشرون عاما جعل أساتذته يجمعون على قرار فصله من المدرسة. هنا تبدأ مرحلة جديدة في حياة حميد الحمديري.
توسط له صديق لدى إدارة إحدى المؤسسات البنكية فأوجد له وظيفة، تمكن في وقت وجيز من أن يصير مساعدا لأمين الصندوق، يستقبل الزبناء ويساعد الأميين منهم على تحرير الشيكات. تمكن حميد بفضل عمله في الوكالة البنكية من أن يضمن إستقلالا ماليا عن أسرته، تعاطى للموسيقى وبإندفاع شديد، كون فرقة من الشباب ورأسها، كان صديقه القديم أمين الصندوق في الوكالة البنكية منذر البلاري يتولى في تلك الفرقة منصب مساعد الرئيس لقد زادهما نشاطهما الموسيقي قربا وقوى روابط الصداقة بينهما.
ركب حميد الحمديري الموجة وإختار للفرقة إسما لا يخطئه السمع : CAT KINC DE KHENIFRA : قطط خنيفرة، ولقد تعمد أن تكون كل الوثائق التي قدمها للإدارة مكتوبة باللغة الفرنسية كما تعمد الخطأ الوارد في الختم الذي إختاره لفرقته فبدل كلمة KING كانت كلمة KINC ولغرض لا يعلمه إلا صاحبنا فقد جعل في وسط الخاتم عبارة المملكة المغربية.
كانت قطط خنيفرة وقد تيمن أصحابها في ما يبدو بخنافس الإنجليز، كانت فرقة تلاقي إقبالا في أوساط الشباب وسار رئيس الفرقة حميد الحمديري نجما متألقا تحوم حوله المعجبات من مغربيات وأجنبيات، كان الشاب في قمة تألقه ونجاحه، فرقة قطط خنيفرة تستدعى لإحياء السهرات في جهات البلاد وخاصة في فصل الصيف، كثيرة هي الليالي التي أحيتها قطط خنيفرة على شاطئ مولاي بوسلهام أو في مصطافي المهدية، ومع أن دخل الفرقة كان قد بلغ أرقاما محترمة فإن صاحبنا ما لبث أن غرق في الديون، كان إنفاقه يفوق بكثير مدخوله، كان قد صدق أنه نجم وكان يرفض العيش وفق واقعه، بدى يحلق عاليا ويتمنع عن الهبوط.
الأجر الشهري الذي يحصل عليه من المؤسسة البنكية لم يعد يكفيه لتمويل سهراته الماجنة. عمله في الوكالة البنكية جعله يتعرف إلى عدد من المقاولين ذوي أرصدة بنكية محترمة ولكنهم لم يكن لهم حظ من القراءة ولا الكتابة، وسوس له شيطانه أن بإمكانه الإستحواذ على شيك أو عدة شيكات لما لا يستعلمها عند الحاجة. إنتظر حميد الحمديري مطلع الأسبوع ولما تقدم واحد من أولائك المقاولين اللذين يترصدهم وكان رجلا كثير الحدر والحيطة إقتطع من دفتر شيكاته ورقة، لم يفطن الزبون إلى ذلك والواقع أن معاملاته السابقة مع حميد جعلته يضع فيه بعض الثقة.
في نهاية الأسبوع إنتقل حميد الحمديري إلى فاس، قام بعدة مشتريات وأدى بواسطة الشيك المسر وق بعد أن وضع عليه توقيعا يشبه توقيع صاحبه. بعد بضعة أيام كان حميد في الوكالة البنكية يتلقى الشيك المسر وق، سدد قيمته من حساب الزبون. بدت العملية سهلة، فكر الآن في سرقة خزانة البنك، كان يعلم أن الخزانة الحديدية حيث يتم إيداع المتحصل من أموال المعاملات تغلق بقفلين أحدهما مفتاحه عند مدير الوكالة البنكية والثاني مفتاحه عند صديقه منذر البلاري أمين الصندوق، كان يعلم أيضا أن مدير الوكالة يفتح قفله في الصباح ولا يعود إلى إقفاله إلا قبيل إقفال الوكالة البنكية، مفتاح واحد يظل يتحكم في الصندوق الحديدي طيلة النهار وهو المفتاح الذي بحوزة أمين الصندوق.
يتبع...

تعليقات
إرسال تعليق